الأدب والشعر

جريمة في بوليفارد

زينة سليم البلوشي

زينة سليم البلوشي

في أحد أرجاء المدينة حيث تتلألأ الأنوار بصورة خيالية وجميلة كان بوليفارد هو المكان الأكثر جمالا وإطلالة يعتبر من أكثر الأماكن التي يتجمع فيها أعداد هائلة من الناس حتى أن السياح بدأوا يتوافدون إليه ويقضون معظم وقتهم فيه يحتوي بوليفارد على محلات ومقاهي وفنادق ومجمعات وكل ما يحتاجه الإنسان يمكن الحصول عليه هناك وقد شبه بعض الأشخاص والسياح بوليفارد بالألماس اللامع ذو اللمعان الجميل والبريق المرغوب ومنهم من شبهه باللؤلؤ الثمين

في إحدى الليالي الجميلة قرر المحقق “محمد منصور” التجول في بوليفارد بعد انتهاء فترة عمله عرف المحقق بذكائه الحاد وسرعته البديهية وحبه لحل الألغاز والجرائم وعند وصوله خرج من سيارته ودخل إلى المكان وبدأ يتجول في بوليفارد ممعنا النظر في كل ما حوله مستمتعا بالأنوار الساطعة والأصوات الصاخبة وأحاديث الكبار وضحكات الأطفال وفجأة سمع صرخة عالية هزت كيان المكان فاتجه مسرعا نحو مصدر الصوت ليكتشف ما حدث

عند وصوله رأى حشدا هائلا من الناس مجتمعين حول أمر ما اقترب ليلقي نظرة فإذا به يرى رجلا وامرأة ملقيين على الأرض غارقين في دمائهما بشكل مروع كانت رؤوسهما على وشك الانفصال وطريقة القتل كانت غير عادية وكأنها كانت مخططة بدقة كيف يمكن أن يحدث هذا في مكان يتجمع فيه عدد هائل من الناس؟

أمسك المحقق بهاتفه مسرعا واتصل بالشرطة ليطلب منهم الحضور لفحص الجثث وموقع الجريمة بينما انتظر وصولهم بدأ المحقق بتفحص المكان بدقة وفحص الجثث لم تمض دقائق معدودة حتى وصل رجال الشرطة وأحاطوا بالمكان وبدأوا بإخراج الحشد المتواجد لكنهم لم يسمحوا لهم بالمغادرة حتى يتم التحقيق معهم جميعا واحدا تلو الاخر

طلب المحقق من أحد العناصر أن يقوم بجمع أقوال الشهود وأرقام هواتفه و من ثم طلب من عناصر الشرطة الآخرين تفتيش جميع الكاميرات المتواجدة في بوليفارد لعلهم يستطيعون الوصول إلى القاتل الحقيقي كما طلب من أحد العناصر البحث عن هوية الضحايا ومعرفة كل الأمور المتعلقة بحياتهم

بعد لحظات جاء أحد العناصر الذي كلف بمهمة معرفة هوية الضحايا إلى المحقق “محمد منصور”وأخبره أن الضحايا هم من أشهر العائلات ولهم مكانة مرموقة في المدينة وأسماؤهم هي “محمود العلوي” و”ماجدة العلوي”وهما أخوان بعد معرفة هوية الضحايا طلب المحقق من الشرطي الاتصال بأقاربهم وإخبارهم بضرورة الحضور إلى قسم الشرطة في أسرع وقت ممكن

عاد المحقق “محمد منصور” إلى الضحايا مرة أخرى لعله يجد دليلا يقوده إلى القاتل وعندما أمسك بيد “محمود العلوي”رأى أن الضحية ممسك بشيء ما بقوة حاول فتح يده وعندما استطاع اكتشف أنها كانت رسالة لكنها كانت غير مفهومة تحتوي على كلمات ورموز غريبة وكأنها شفرات سرية بدأ المحقق يفكر هل تعتبر هذه الرسالة حلًا لهذه الجريمة أم مجرد ورقة عادية؟ لكن فكر قليلًا وقال لنفسه لو لم تكن دليلا لما أمسك بها الضحية بهذه القوة

ثم قرر الذهاب إلى الضحية الأخرى “ماجدة العلوي” وعندما أراد إمساك يديها صدم مما رأى فقد كانت أصابعها مقطوعة ويدها مشوهة بالنار بشكل مروع وكانت أكثر من تعرض للتعذيب مقارنة بأخيها ووجد في يديها هاتف و كان هذا الهاتف شبه مكسور فطلب من احد العناصر ان يذهب به الى خبير تصليح لعله يجد دليل و من هنا بدأ المحقق “محمد منصور” يدرك أن عملية القتل لم تتم في بوليفاد بل كانت جريمة تحتاج إلى مكان غير مرئي و وقت كبيروالتعذيب الذي ظهر على الضحايا يدل على أن المكان الذي قتلا فيه لم يكن بوليفاد بل تم قتلهما في مكان آخر وتعذيبهما بطرق وحشية ثم تم رميهما في بوليفارد

ظل المحقق يفكر في سبب القتل ومن هو القاتل وكيف أتى بهم إلى بوليفارد ولماذا اختار هذا المكان بالذات قرر أن يلقي بهم في مكان يتجمع فيه عدد هائل من الناس وترددت الكثير من الأسئلة في عقله التي يريد الحصول على إجاباتها

بعد جمع بعض الأدلة قرر الذهاب إلى مركز الشرطة لاستجواب جميع أفراد عائلة الضحايا ومعرفة من منهم القاتل وعندما وصل إلى المركز وجد عائلة الضحايا متواجدة وكانت الأم “كريمة” متأثرة للغاية لموت ابنائها و كانت تبكي بغزارةحتى بدت عيناها كأنها أمطار تتساقط دون توقف أما الأب “كريم”فقد كان الحزن واليأس يسيطران على ملامحه لكنه حاول التماسك قدر الإمكان

كانت زوجة الضحية “محمود العلوي””أميرة الباشا” تبدو حزينة لكن حزنها كان عاديا بل كان واضح انه تمثيل و كانه ولم يكن كمن فقدت زوجها بل كانت عيناها مليئتين بالغضب والكراهية وزوج الضحية “ماجدة العلوي” “سليم المنشاوي” بدا عليه التوتروبدأ جسمه يتعرق بشكل مبالغ فيه ويداه ترتعشان أما صديق العائلة “سيف الرحماني”فكانت تبدو على ملامحه الخوف الشديد بدا أن هؤلاء الثلاثة “أميرة الباشا” و”سليم المنشاوي” و”سيف الرحماني” كانوا سببا في ارتكاب الجريمة لكن لم يكن هناك اي دليل يثبت ذلك

بدأ المحقق باستجواب كل من عائلة الضحايا على انفراد بدأ مع والدة الضحية “كريمة”وطرح عليها الأسئلة سألها “متى كانت آخر مرة رأيت فيها ابنك وابنتك؟” فردت قائلة “لقد رأيتهم بالأمس وكانوا في غاية سعادتهم” ثم طرح عليها سؤالا آخر “هل لدى الضحايا أعداء؟” فأجابت وقلبها يعتصر ألما “كيف لأحد أن يكره القلوب العطرة و ابنائي هما من أنظف القلوب ومعاملتهما حسنة وطيبتهم معروفة؟” هنا أدرك المحقق “محمد منصور” أن الأم لا علاقة لها بالموضوع فسمح لها بمغادرة غرفة التحقيق

طلب المحقق من العناصر إحضار الأب “كريم”وبدأ بالتحقيق معه طرح عليه سؤالا “هل تشك في أحد؟” رد الأب “يا حضرة المحقق لا أملك أي فكرة حول من هو السبب وراء موت أعزائي وإن كنت أملك أدنى فكرة عن الأمرلأخبرتك قبل أن تطرح علي هذا السؤال فأنا أريد الإمساك بالمجرم أكثر منك فالضحايا هم قطعة مني لا تنسى ذلك اعذرني على أسلوبي لكنني أب في النهاية وقد خسرت أعز ما أملك”

بعدها لاحظ المحقق أن الأب صادق فطلب منه الخروج ثم طلب من العناصر إحضار “أميرة الباشا”التي بدت عابسة الوجه ومتضايقة تحاول إظهار الحزن لكن الغضب والكراهية كانا واضحين على وجهها بدأت المحقق بطرح الأسئلة “متى كانت آخر مرة رأيت فيها زوجك؟” ردت “لم أره منذ يومين تقريبا” ثم سألها “هل تعلمين إلى أين ذهب؟” فأجابت “للأسف لا فهو لا يخبرني إلى أين يذهب عادة”

كلما طرح المحقق عليها الأسئلة كان الخوف والارتباك يظهران عليها بعد الكثير من الأسئلة طلب منها المغادرة ثم طلب من العناصر إحضار “سليم المنشاوي”الذي كان زوج الضحية وعند دخوله غرفة التحقيق بدت عليه علامات الارتباك والخوف وبدأ وجهه يتصبب عرقا استمر المحقق في طرح الأسئلة حتى انتهى ثم طلب منه المغادرة

طلب المحقق من العناصر إحضار آخر فرد وهو “سيف الرحماني” الذي كان في غاية القلق عند دخوله غرفة التحقيق بدأ المحقق باستجوابه وكان مركزا على أنه لا ينظر إلى عينيه عند الإجابة بعد انتهاء الأسئلة طلب منه المغادرة وأمرهم بالانصراف لكن لم يسمح لأي منهم بمغادرة البلاد حتى إشعار آخروحتى يتم اكتشاف القاتل

غادروا المركز وتذكر المحقق أمر الرسالة التي تحتوي على الرموز و الهاتف فطلب من أحد العناصر إحضار مختصين لديهم القدرة على حل هذه الرموز و احضار الهاتف ايضا من التصليح وما هي إلا ساعات معدودة حتى جاء أحد المختصين و الذي يدعى “منتصر”ورحب بالمحقق أخذ الرسالة وبدأ بفحصها وتحليل كل الرموز الموجودة فيها واكتشف أنها تشير إلى أسماء القتلة وكانت الأسماء هي “أميرة الباشا”و”سيف الرحماني” هنا تأكدت شكوك المحقق نحوهم ووجد الدليل لكن يجب عليه الآن استدعاؤهم والتحقيق معهم بصرامة حتى يعترفوا بفعلتهم الشنيعة وما الدافع وراء القتل

بعد لحظات استدعى المحقق أحد العناصر وطلب منه الاتصال بهم وما هي إلا ساعات حتى وصلوا معا وكانت علامات الخوف والقلق بادية على وجوههم أخذهم المحقق إلى غرفة التحقيقات وواجههم مباشرةوبدأ باستجوابهم بصرامة مطالبا إياهم بالاعتراف بفعلتهم لكن الاثنين كانوا مصرين على أنهم لا علاقة لهم بقتل الضحايا إلا أن ارتباكهم كان يدل على عكس ذلك و من ثم اتى احد العناصر الى المحقق و طلب منه ان ياتي قليلا للخارج و عندما خرج للخارج اعطاه الهاتف و من ثم انصدم مما سمع فهذا دليل على انه ليس فقط الاثنين مجرمين بل حتى “سليم المنشاوي” معهم فطلب من الشرطي ان يتصل فيه على وجه السرعة لياتي الى المركز و ما هي الا ساعات حتى اتى و تم ادخاله الى غرفة التحقيق مع المتهمين الاخرين

بدأ المحقق يضغط عليهم وأظهر لهم الرسالة التي تحمل الرموز التي كشفت عنهم و الهاتف الذي يحتوي على مقطع صوتي يدين فعلتهم الشنيعة و قد تم تسجيل اعترافاتهم كاملة عندها بدأت “أميرة الباشا” بالبكاء وبدأت تحكي كل تفاصيل الجريمة وكيف أن “سيف وسليم” قاما بمساعدتها في ذلك و قالت بإنها لم تكن تحب زوجها وكانت على علاقة بصديقه “سيف” الذي أخبرها أن تتعرف على الضحية حتى تتزوجه وتأخذ ماله ثم تتطلق منه لتتزوج بـ “سيف” ويعيشوا معا في رخاء لكن خطتهم لم تكتمل حيث كشف زوجها عن خطتهم وأراد فضحهم فقاموا بإنهاء حياته على الفور

أما عن “ماجدة”فقد رأتهم يقتلون أخاها فقرروا قتلها أيضا حتى لا تبوح بهذا السر وعندما كانوا على وشك قتلها جاء زوجها ورآهم وكانوا على وشك قتله أيضا إلا أنه قال إنه سيكون في صفهم فهو أيضا لم يحبها وأراد مالها فقط فقتلوها هي أيضا لكن زوجها أرادها أن تتعذب أكثرفأحضر دلوا من الماء الساخن ووضعه على يديها وقام بقطع أصابعها و من ثم امر بان نقطع روؤسهم

ثم بدأنا نفكر في أين سنرمي الجثث حتى نبعد الشكوك عنا و قد اقترح “سليم” أن يكون بوليفارد هو المكان لكننا لم نكن نعرف كيف سندخل الجثث هناك دون أن يرانا أحد أو نجذب الانتباه لذلك قررنا ان نقوم بستأجار بعض من رجال العصابة ودفعنا لهم مبلغا وفيرا وأمرناهم بأن يأخذوا الجثتين إلى بوليفارد حيث لديهم خبرة في كيفية الدخول بالجثث دون لفت انتباه احد

وجه المحقق سؤاله إلى “سليم” “لماذا اخترت بوليفارد بالذات ولم تختر مكانا مخفيا بعيدا عن أنظار الناس؟” رد سليم قائلا إنه اختار المكان لأنه بوليفارد هو المكان الذي التقى فيه بزوجته فأراد أن تكون نهايتها هناك أيضا

مع اعترافهم بالجريمة ووجود الادلة التي تثبت التهم عليهم تم القبض عليهم و تحويلهم الى النيابة و الحكم عليهم بالاعدام و هنا وأدرك المحقق أن الجشع يمكن أن يؤدي إلى قتل أرواح بريئة لا ذنب لها وهكذا تنتهي قصتنا جريمة في بوليفارد

 

بوليفارد: هو مكان واسع مناسب للتنزه و التجمع و يعرف بالطريق او الشارع الذي يحتوي على العديد من المحلات و المقاهي و المنتجعات الأخرى.

مبلغا وفيرا: و المقصود به المال الكثير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى