الأدب والشعر

تأمل في أعماق النفس

شيخة الدريبي

شيخة الدريبي

ليست بالرحلة السهلة أن تشقَّ أعماق النفس وتتفهّم التيارات التي تتجاذبها يمينا ويساراوإلى أعلى وأسفل ومواجهة هذه النفس بعيوبها وكشف حسابها ولكنها سعادةٌ غامرة تجتاحك حين تصل معها إلى تفاهمٍ فتنقاد لك وتطيعك وتحاول السيطرة على نزواتها والتحكم بنفعالاتها وقد تتعثَّر بمحطاتٍ توقفك عن الحركة فهذا مصابٌ لم تصبر عليه وتلك رغبةٌ سيطرت عليكَ أياماً وذاك ذنبٌ تمرّد عن الخضوع وتيك معاصٍ استولت على القلب قصص وحكايات حين تنفض الغبار عنها تصيبك بألم وتتردّد في طيّات نفسك أسئلة تتكرّر لِم فعلت كل هذا وكيف وتتصلّب شرايينك غضبا وخوفاًوقد تأخذك الصدمة لحظات قبل أن تستعيد أنفاسك وتطرحَ كل هذا على بساط صلاتك أو في طوافك أو في خلوةٍ بينك وبين الله جلّ وعلا في زاوية بيته المحرّم او في بيتك وهو يعلم كل ما بسطتَ يديك إليه وتنزل دموعك متحسِّرة بصوت دعائك أن كنت عصيته وأخطأت وتجاوزت وقصَّرت ولكن كن على يقينٍ أن الرحمن عفوّ قادر على كل شيئ وأنك في صياغته..

 

هل شعرتَ بلحظات أن الرحمة تتنزّل عليكَ فتغسل قلبك كما تغسل الثوب بالماء فيطهر هل أحسَّستَ يوماً ثورة غضبك فتوضأتَ بماءٍ ذاكراً ربّك فاستويت على كرسي السكينة ونسيت ما قد كان فيك هل ضاقت عليك الدنيا يوماً بما رحبَت فسجدتَ سجوداً أطلتَه وبكيت وبكيت وبكيت حتى ارتويت فخرجت من تلك الركعة كيوم ولدتكَ أمّك وهل وقفتَ يوماً بين يدَي الله جلّ في علاه اعترفت بخطأ نفسك وقلتَ له هذا أنا قد سلّمتُ الأمر إليك فاقبلني بكرمك ليس لي إيّاك وشعرتَ بالطمئنينه في قلبك ..

 

لجهلٍ منا أننا كلما حطّمنا النفس بعد ذنبٍ اقترفناه كان ذلك أحرى بنا وكلما كان القصاص أنجع كأنّنا نتشفّى من عدوٍ لنا لدود وبذلك تذبل الروح مع الوقت وتذوب ولربما تموت بذرة الأمل بإعادة الحياة إلى قلبٍ اعتاد الأنين والتعب والانسحاق فهو كلّما حاول الصعود وجد جلد الذات يهوي به في وادٍ سحيقٍ من الألم ولربما وصل في نهاية المطاف إلى الانهيار التام كلّ ذلك تحت مسمّى دفع ثمن الذنوب وقد غفلت تلك النفس أنّ الله جلَّ في علاه هو غافر الذنب وقابل التوب وأنّ الله جلّ وعلا يكفيه أن يسمع أنين العبد التائب الذي تيقّن أن له رباً يغفر الذنوب ليغفر له فلنذهب تبذنِبنا الله جلّ وعلا ونستغفر الله فيغفر لنا فالمفتاح كلمة (اللهمّ أستغفرُكَ وأتوب إليك) بصدقٍ وخضوعٍ وتذلُّل وعزمٍ على عدم العودة أبداً فحينها فقط تكون الراحة والطمأنينة وحين تلتزم النفس بهذا المسلك فكم تكون قد خفَّفَت عن هذه الروح وهذا الجسد من مآسٍ واضطرابات وتعب وأطلقَت خيول الهمّة لمهمّاتٍ قيِّمة..

 

فبدعاء يجلو القلب قل :

اللهمّ اجبر كسر قلبي فَكَم لاقى من الخطوب حتى ما عاد يقوى على الصبر والتصبُّر ولكنك أنت الأعزّ الأكرم فتلطّف وأرضِني بل تعلّقت أحلامنا بسرابٍ حسبناه ماءاًكونَ الإنسان في خلوةٍ مع ربه جل وعلا والتوكّل على الله جل وعلا في عزمٍ صادق على التغييروقد أقسم الجَنانُ أن لن يبرحها إلا بقلبٍ سليم ونفسٍ مطمئنة بإذن ربي..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى