Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
حوارات صحفيه

” عَليُّ الدرُورة” شاعرُ البَخُورِ

لِقاء د. مُجيبُ الرحمنِ الوصابي - تونس

لِقاء د. مُجيبُ الرحمنِ الوصابي - تونس

إذَا كانَ الإبداعُ في حدودِهِ هو تقديمُ الأشياءِ المألوفةِ بطريقةٍ غيرِ مألوفة، فهذا(الدرورة) يٌقدمُ البخورَ وكأنّنا لا نعْرِفهُ ويقولُ فيهِ ما لمْ يقلْه النواسيّ في الخمرِ، فَقدْ تعدّدتْ عِندهُ أنواعُه .. روائحُهُ ومجالسُه، كراماتُه وأذواقه، فنسجَ للبخور وحده اثني (12) عشر ديوانا، ويهمُّ بإضافةِ ديوانِ آخرَ هذه الأيام … لذا يستحقُ أن يُلقب (عليُّ الدرورة) بشاعرِ البخورِ الأوّلِ في الدُّنيا، وليس البخورُ إلّا واحدًا من ميادينِ الدرورة الأديب المخضرم، …. وما المقامُ هنا لذكرِ فتوحاتِهِ ومنجزاتِهِ الإبداعيّة والأكاديميّة والفنيّة، فهي أكثرُ مِنْ أن تعدّ وتُحصى.

 

 

وَالشَاعرُ والباحثُ الأكاديميّ عليّ الدرورة قدْ فٌتن بالطبيعةِ وردًا وأزهارًا، وزنابق ورياحين ، مُروجًا وبساتين وطيورًا وفراشاتٍ؛ إذ تذوقت نفسُه كل تجلّيّات الجمال منذُ نعومةِ أظافره وريعان شبابهِ الذي لا يغادره، فقبلَ أربعينَ عامًا أصدرَ ديوانه الأوّل بعنوانٍ رمزيٍ ومكثفٍ (زهورٌ خضراءُ للموتِ) وطُبع في بيروتَ سنة 1984م.

 

 

وَتدفّقتْ دواوينُه بعدَ ذلك تِباعاً، فأصدرَ عشراتِ الدواوين ولا زالَ يُحطِّمُ الأرقام مرتادًا آفاقًا جديدةً، ومسجلاً الريادةَ في فنون شتّى، وليس غريباً أنْ تُنجز عنه عديدُ الدراساتِ النقديّة من نقادٍ لهم أوزانهم في البلاد العربية، إلى جانب طلابِ الدراسات العُليا في الجامعاتِ.

 

 

شَاعرُنا الدكتورُ (علي الدرورة) لهُ ظواهرُ ثقافيَةُ ومنجزات مقترنةٌ بِهِ، تميّزَ بِها عن غيره من الكُتاب والشعراء العرب ومنها توظيفه لثيمة ( البخور) في الشعر بطريقة استثنائية، وهو الموضوع الذي نخصص له حوارنا هذا الذي نتمنى أن يتكرر مرات أُخرى.

 

 

عِندَ الدرُورةِ للبخورِ ألفُ حكاية إلا حكايةً لن تملَّ سماعها حتى يخيلُ إليك أن الرجل يحيا لأجل البخور متخصصاً فيه ويعرف كل أسراره منذ طفولته فصار رفيقه اليومي في حله وترحاله فيعدّ له (المباخر) أو (المجامر) ليحرقَ البخور فيعطّر الدنيا كما كان الكهّان في المعابد القديمة يحرقونه في طقوسهم العبادية.

 

 

سَألتُه عَنِ البخورِ (العدني واللحجي) في اليمن فأدهشتني غزارته الثقافية وسعة اطلاعه؛ فأخذني برحلةٍ تاريخيّةٍ مع (القمندان) يبحثُ عن مجمرةٍ تصلح للبخور، للاحتفال بعد مغادرة الأتراكِ لحجَ في مطلع القرن الماضي، والرجل الأجنبي الذي أصبحت له رائحة في رواية علي المقري الشهيرة (بخور عدني)، وكان قبلُ رجلاً بلا رائحة، بل يعرف أسرار خلطات البخور المشهورة في جنوب اليمن وزباد سقطرى.

 

 

درسَ الدرورة ُتقنياتِ صِناعةِ البخورِ بأنواعه العديدة وفنونه، والتي كما قالَ بعد بحثٍ طويلٍ تصلُ إلى (18) نوعًا متداولا في الهند والخليج والجزيرة العربية منذ عصورٍ موغلةٍ في القِدَم.

 

وَلَم ينسَ في بحثه عن (البخور) أن يتطرق لكل جوانبه الثقافية والتاريخية والأنثروبولوجية، استعمالاته .. خصوصياته …طقوسه في الحضارات القديمة وعبر العصور إلى وقتنا الحاضر.

 

 

الدرورةُ شاعرٌ لا يفارقُه الدخونُ الأزرقُ، إنّه يشعلُ بخورًا ويتنفّس بخورًا ويكتب بخورًا وبه يتعطّر، …من عالم البخور خرجنا منه بحصيلة هذا اللقاء عن عالم البخور ذلك العالم الجميل بروعته وجمالياته ذلك العالم الذي يعيش فيه الشاعر علي الدرورة.

 

 

*فِكرةُ البخور*

 

في البدء كيف جاءت فكرة البخور؟

 

 

بَعْدَ عِدّةِ قصائدَ عنِ البخورِ في دواوينَ متفرقة قلت في نفسي: لماذا لا يكونُ للبخور في ديوان مستقل؟ .. ، سيما وأنني قمتُ بتخصيصِ عِدة دواوين عَنِ الفراشاتِ والأزهارِ والغيومِ والمطر والبحر والنوارس والحوريات والنجوم وغير ذلك ممّا هو في الطبيعة؛ وفعلًا خططت لذلك و جاء الديوان الأول ثم الثاني، وهكذا توالت الدواوين عبر سنوات حتى وصلت إلى عشرة دواوين.

 

 

وحين وصلت إلى الديوان العاشر قلت في نفسي: هذا يكفي، فقد وظّفت البخور في كلّ أوجهِ الحياة، ولا أعتقد أنني أحتاج إلى المزيد من الشعر، فالبخور أخذ أكثر من حقّه في الشعر.

 

 

مَضتِ الأيام فإذا بي أميل للعودة للبخور في الشعر وكتبت الديوان الحادي عشر (11) وكان بعنوان: (في بهاء البخور)، وبعد طباعة الديوان تأملت في الأمر وسألت نفسي: هل يأتي ديوان غير هذا ويكون رقم (12) ولكنّي لم أجب نفسي، لا سلبًا ولا إيجابًا.

 

ومع مرور الزمن فإذا بي أكتبُ الديوان رقم 12 وعنوانه: (أنفاس البخور)، وبعدها عُدت لأسأل نفسي مجدّدًا: هل سوف أكتب الديوان رقم 13 فأقول: لست أدري، ولكن: الله أعلم!! وجاء الديوان رقم 13 بعنوان 🙁 عبقُ الدخون).

 

*شعر البخور*

 

 

دواوينُ البخورِ للشاعرِ السعودي الدكتور (علي الدرورة) كانت حصيلة ممتازة أو لنقل إنّها تحفة أدبية نادرة، فلا شك أنّ البخور يعبق من جنباتها ليزيد في بهاء وألق المكان بكلّ أبعاد وجماليات المكان، وهل هناك أجمل وأروع من البخور؟

 

 

وحصيلة الدواوين الشعرية المطبوعة ، هي:

 

 

-1 بخور لأساطير البحر.

 

 

-2 مساء تثأثأ بالبخور.

 

 

-3 عبق البخور.

 

 

-4 أغاني البخور.

 

-5 إني أشم بخورا.

 

-6 بخور الذكريات.

 

-7 بخور الحوريات.

 

– 8 البخور في قداسته.

 

9 – البخور الذي…

 

– 10 بخورها يغرد بأحلامي.

 

-11 في بهاء البخور.

 

 

تُرجِمَ إلى المالايلام الهندية والأذربايجانية والإنجليزية).

 

 

12 – أنفاسُ البخور .

 

 

13 – عبق الدخون.

 

 

*أنواع البخور*

 

من خلال تتبعك وبحوثك في عالم البخور، هل هو أنواع؟

 

 

نعم، هو عدّة أنواع، فخلال تتبعي اكتشفت أنّ المستخدم في الخليج وآسيا هو 18 نوعًا مختلفًا، وقد وظّفت جميع هذه الأنواع في قصيدة واحدة.

 

 

أسميتها؛ (القصيدة البخورية) ومن خلال التقانة المعاصرة يمكن تحضير عدة أنواع من أصل نوع واحد …! وهو ما يسمى (المعمول) و (المسقي) وهو المنقوع في زيوت الأزهار الطيارة أو دهن العود.

 

*عالمُ البخور*

 

ما الذي اكتشفته في عالم البخور؟ 

 

 

حسنًا، هذا سؤال جيّد.

 

لَقدْ كشفتُ عوالمَ من الألقِ وغُصت في أعماقِ التاريخ لا سيّما من المنظورِ التاريخي بصفتي مؤرخًا، وقد بحثت كثيرًا عن تجارة البخور من قديم الزمان وفي عالم الحضارات، وقد كانت تجارته رائدة وحتى اليوم واستخداماته في الاحتفالات الدينية والاجتماعية وكما كان ذلك في الماضي البعيد فهو ما زال حتى اليوم.

 

 

اكتشفتُ أنّ للبخورِ قداسةٌ عِندَ الشعوبِ، واكتشفت بأنّ له أنواعًا عديدةً واستعمالات عديدة أيضا حسب المناسبات، أو المعتقدات، وما زلت أبحث عن تلك المعتقدات والطقوس المتبعة عند الشعوب الشرقية والغوص فيما تهدف إليه من أساطير.

 

 

*دواوين*

 

 

كَثيرٌ مِنَ الشعراءِ لم يفكروا في توظيف البخور في الشعر المعاصر، قدْ يكونُ بعضهم كتب قصيدة أو اثنتين وربما ثلاثًا، ولكن لم نسمع أو نقرأ بأنّ شاعرًا قد وضع أربع قصائد في البخور، ولكنّ الشاعر (علي الدرورة) قد وظّف البخور توظيفًا جيّدًا في ديوان كامل، بل في دواوين عديدة، وهذا يدلّ على اتساع أفق الخيال لدى شاعرنا الدرورة.

 

أما عن النشر، فيقول:

 

 

لم أنشر شيئًا عن البخورِ، فكلّ شيء في الدواوين، ولكن إحدى الإعلاميات من حضرموتَ طلبت منّي قصيدةً فأعطيتها قصيدة (بخور عشتاروت)، وقد نشرت في مجلة :(فنار عدن) بصفتها إعلامية وإدارية في ذاتِ المجلة.

 

 

*الدراسات النقدية*

 

 

ما هي الدراسات النقدية التي أعدّت عن دواوين البخور؟

 

الدراسات النقدية كثيرة، سواء تلك التي أعرفُها أو التي لا أعرفها، أمّا ما يختصّ عن البخور، فهناك ثلاث دراسات نقدية:

 

 

دراسة الناقدة المغربية هاجر بوعبيد وهي قراءة تأمّلية في دواوين البخور 2018م، بعنوان (توظيف البخور في شعر علي الدرورة)

 

و كتاب (عبق البخور) لمجدي البكري – دراسة سيميائية توليفية – لديوان (أغاني البخور) 2021م

 

وللدكتورة ابتسام الخميري. دراسة تحليلية ذرائعية لديوان: مساء تثأثأ بالبخور.2022م بعنوان (تجلّيات العشق على روائح البخور).

 

 

وَتلكَ الدراسات النقدية مطبوعة، على أنني عرفتُ أنّ هناك دراساتٌ نقدية في باب البخور لم تنجز بعد لدى بعض النقاد.

 

 

*أنواع البخور*

 

وظّفت في شعرِك: (اللبن)، و (النَّدّ)، و (البخور)، و (العود)، و (العنبر)، و (المِسك) و (الصندل)، فهل هذه الأنواع هي الأقرب إليك؟ أو ما السِّرُّ فيها ؟.

 

 

صحيحٌ، أنا طرحت هذه النوعيات في أشعاري ولكن عليك أن تعرف أنّ ثمّة العديد من أنواع البخور، وكلّ نوعية لها سعرها الخاص، والبخور الثمين يستخدم في حال وجود ضيف لدينا، أمّا في بقيّة الأيام فنفضل الُّلبان؛ لما يمتاز به من خصائص، أما العطور فأكثر ما أستعمله هو المِسك، فهو مريح نفسيًّا أكثر من غيره، أما العود عادة يستخدم يوم الجمعة وخاصة عند الذهاب للصلاة.

 

 

وكلّ تلك النوعيات والنوعيات الأخرى ترافق حياة الإنسان في الخليج حسب الحاجة والاستعمال، بمعنى حسب المناسبة، إن كانت دينية أو اجتماعية، على أنّ (النَّد) الذي لا يُذكر إلّا قليلًا، فهناك نوعياتٌ منه كثيرة وكلّها ممتازة حسب تصنيفها أو تحضير عجينتها من الزعفران وماء الورد وأوراق الورد، وبعض الأعشاب المطحونة بشكل دقيق أو المحضّرة لمهارة عالية ووضعها في أعواد.

 

 

انتهى اللقاءُ وما زالت في النفس أشياء، فالحديثُ الذي دار وخصص عن (البخور) في بهو نزل الهناء شارع الحبيب بورقيبة لم ينتهي، وذو شجون … وحقيقة ظفرت من اللقاء بمواضيع تعد فتوحات علمية في مجالها، وظواهر تصلحُ للدراسةِ من هذا الأديب الموسوعي (الظاهرة) الدكتور علي الدرورة، شاعر البخور الأول في الدنيا والتاريخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى