راية الرحيل


صدٌيقة التّستوري
ها هي أيام هذه السنة ترفع راية الأنسحاب وتطلق صافرة الرحيل .. نعم ، فهي تتأهب المضي خلف لائحة التقويم لكنها ستظل عالقةً بداخلي .. وها أنا واقفة على حافة ديسمبر وأبتهج لسفره الأخير ..بدأ العدٌ التنازلي : واحد ، اثنان..، ثلاثة “..
..لم تكن السنة التي انقضت عادية أو أيام مرٌت فحسب بالنسبة لي ..
لقد كانت سنة عميقة وغير مألوفة لي بكافة تفاصيلها ، كانت مثقلة بالحزن ..
كعادتها كانت الشمس تشرق من مكانها الأوٌل كباقي السنوات ولكن نورها لم يكن يُُشعٌ بأعماقي .
يمضي اليوم كغيره من الأيام دون أن يترك أثرا طيبا في نفسي ، وتشابهت الأيام والأشهر واختلط الليل بالنهار وعمّت فوضى الوقت تجرّ فوضى المشاعر خلفها.
لا أذكر عدد المرٌات التي التجأت إليها للنوم بالقرب من خيبتي مطلقة العنان إلى دموعي التي جرت ساخنة على وجنتي ثمٌ تعلن الاستسلام وتستقر على وسادتي .. لكني أذكر أنه عند كل صباح كنت أتسلل بهدوء خشية أن تتيقٌظ خيبتي وتلتصق بحزني الآسن ، كنت أختلس النظر إليها فأجدها غارقة في نوم عميق ، أطلق العِنان لابتسامتي الاولى لعله يأتي ذلك الليل فأختبر خيبتي وقد تلاشت مع النسيان .
في كل مرٌة أحاول بها المقارنة بين ماضيها البعيد وما أصبحت عليه في الحاضر الجديد ،أكتشف أن لا شيء يربطني بذاتي القديمة قبل هذه السنة غير أن هذا التغيير الجذري كان داخلي وبأعماقي .. نعم ، تغيٌر كل ما بداخلي وكأنٌ هزة كونية ضربت كياني فقلبت مسار حياتي وأعادت ضبط ايقاعها من البداية ..
ها انتِ تستعدٌين للرحيل أيتها السنة البغيضة خذي معكِ آلامي وخيبتي وتعاستي هنيئاً لكِ بهم فأنا لم أعد بحاجةٍ إليهم ولا تنس أن تأخذي رِداءكِ البالي الذي لبسني فقد جرّدتُ روحي منه وأرتديت ثوبا جديدا أنيقا يليقُ بالعام المنتظر والمنشود ، فأنا على موعدٍ لاستقبال هذا الأخير بكل حب و سعادة وخير وأمل به اعيد بكل ما أوتيتُ من رقيق أنثى عطر البريد ….
و فاتحة فرح مجيد.